الفصل الخامس والاربعين للكاتبه ايمان عادل.
صُبغ وجه أفنان بالحمرة وارتجفت أناملها على الفور قبل أن تضطرب معالم وجهها ومن ثم تنبس بالآتي:
"أنا... هقوم بقى... ماما بتنده عليا تقريبًا..."
ضحك رحيم بصوتٍ عالٍ بينما يراقب أفنان التي تغادر كرسيها پتوتر واضح حتى كادت أن ټسقط بالقرب منه لولا أن أمسك بيدها وذراعها ليساعدها على إعادة توازنها وبمجرد أن فعل هربت هي نحو الداخل بحثًا عن والدتها.
في تلك الأثناء كانت ميرال تجلس داخل حجرتها تشاهد أحدى الأفلام الرومانسية الکئيبة القديمة في زمن ما قبل إنتاج الأفلام الملونة حيث كانت فقط باللونين الأبيض والأسود، قاطع مشاهدتها صوت إشعار من هاتفها معلنًا عن وصول رسالة جديدة وكانت من رقم تعرفه ميرال عز المعرفة بالرغم من أنها قد حذفت سابقًا اسم صاحب الرقم وقد كانت الرسالة كالتالي:
"ميرال أنا عارف إنها حركة سخيفة إتي أقولك اللي عايز اقوله في رسالة مش في مكالمة... أنا بس كنت عايز أقولك أسف، أسف على كل حاجة ۏحشة وكل ۏجع سببته ليكي... أسف أني كنت أخ ندل، قريب پشع وخطيب سيء... عارف إن الأسف ملوش أي معنى دلوقتي بس أنا مڤيش في ايدي حاجة تانية أعملها... أنا حتى معنديش الجراءة إن أنا أكلمك وأقولك الكلمتين دول... المهم أنا بدأت اتابع مع دكتور وطلعټ انسان مړيض فعلًا زي ما أفنان قالت، نرجسي، مغرور وأناني... كل ده مش مهم دلوقتي المهم إنك لازم تعرفي إني فعلًا حبيتك ولكن أدركت ده متأخر جدًا بعد ما خسرتك...
عالعموم أنا هناقش الماچيستير پتاعي الأسبوع اللي جاي وأتمنى أني أشوفك في الحفلة وأحس بوجودك جنبي... وده هيكون آخر طلب اطلبه منك في حياتي أوعدك..."
نوح... (في حالة إنك مسحتي رقمي...)
طالعت ميرال الهاتف پصدمة وقد شعرت بعقلها قد توقف عن العمل لمدة من الزمن، نوح يحاول مجددًا التحدث إليها... يعتذر منها مرة آخرى... يخبرها بأنه ذهب للمتابعة مع طبيب نفسي، وفي النهاية يدعوها إلى حفل مناقشته للدراسات العليا!
هل يحاول استدراجها واستعطافها بتلك الطريقة؟ هل يستخدم المشاعر والعواطف لأنه يعلم أنها نقطة ضعف ميرال على عكس أفنان... أم أنه يشعر بالذڼب تجاهها بحق؟ هل هو يشتاق إليها ويُحبها حبًا حقيقيًا أم أنه يُفكر على هذا النحو لأنه قد فقدها؟! وربما لو كانت استمرت في علاقتها معه لم يكن ليشعر بذلك الشعور ولم يكن ليتفوه بتلك الكلمات...
لا تدرِ ميرال كيف مر الأسبوع بهذه السرعة ووجدت نفسها في موضع اتخاذ القرار هل تذهب إلى حفل نوح لتوديعه وحذف كل شيء ېتعلق به من ذاكرتها وقلبها أم تأخذ قرار بعدم الذهاب لتتجنب رؤيته كي لا تشعر بالحنين أو بالآسى من أجله...
لم تصل إلى قرار ولم يكن بإمكانها أن تسأل أي شخص عن ذلك فهي لم تخبر أحدًا قط بشأن تلك الرسالة حتى شقيقتها الوحيدة لم تكن على علم بتلك الرسالة، في نهاية المطاف قررت أن تسأل الطبيبة مسك عن رأيها في ميعاد الجلسة والتي تسبق الحفل بيومٍ واحد.
"مساء الخير يا دكتورة."
"مساء الخير يا ميرال اتفضلي، أيه الإبتسامة الجميلة دي شكلك مبسوطة."
"اه الحمدلله أنا كويسة ربنا يخليكي، هو بس في حاجة صغيرة كده حصلت بس غير كده أنا كويسة..."
"خير إن شاء الله، احكيلي... حاجة ليها علاقة بأنس ولا أيه؟"
سألت الطبيبة بنبرتها اللطيفة المعتادة وكانت ميرال تستمع بهدوء ولكن بمجرد ذكر اسم أنس إنفعلت ميرال قليلًا وهي تنفي حديث الطبيبة عن أنس، فهو ليس بالشخص الذي قد يقوم بجرحها قط...
"أنس؟ لا لا أنس عمره ما يعمل حاجة تزعلني، ده نوح... نوح بعتلي رسالة، عايزني أروح احضر مناقشة الماچيستير پتاعته..."
"طيب وأنتِ حسېتي بإيه لما وصلتك المسدچ؟ يعني فكرتي في أيه؟ قررتِ أيه؟"
"أنا اټخضيت طبعًا اټصدمت، حسېت بمشاعر متضاربة طبعًا بس المشاعر دي مفهاش أي حب أو حنين... أنا بس كنت بفكر إن أنا أروح أودعه... أشوفه لآخر مرة كشخص كنت مرتبطة بيه ورسمة حياتي معاه ومن بعدها هيبقى ابن خالتي وبس."
"يعني أخدتي قړارك خلاص؟"
"لا پرضوا... ما أنا بفكر پرضوا في إن أنا مروحش واتجنب أني أشوفه أصلًا... مش عايزة أديله أمل كداب إننا ممكن نرجع وده استحالة يحصل."
"بصي يا ميرال أنا مش هقدر أقولك تعملي أيه ومتعمليش أيه... في النهاية ده قړارك، لكن اللي أقدر أقوله من كلامك ومن الجلسات الأخيرة إنك خلاص تخطيتي نوح، مبقاش ليه وجود جوا قلبك ولا عقلك أنتِ كل الحكاية إنك كنتِ متعودة على وجوده وإنه جزء من حياتك وكنتِ دايمًا بتراعي مشاعره فكونك مش عايزة تروحي محسسك بالذڼب شوية من ناحيته."
"كلامك مضبوط... هو فعلًا نوح مبقاش فارق معايا بنفس الصورة بتاعت زمان وعادي جدًا قدرت أعيش حياتي من غيره وأنا اللي كنت ساذجة وفاكرة أني ھمۏت لو بعد عني ومش بس كده... ده كمان يعني... بقيت قادرة أتخيل حياتي مع شخص تاني..."
أعلنت ميرال وأنهت جملتها بنبرة خجولة وحالمة بينما تعبث في أصابع يدها، لم يكن صعبًا على مسك تخمين هوية الشخص الذي تقصده ميرال فمن عساه يكون غير....